فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (16):

{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)}
{أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} {أَمْ} مقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال والهمزة للإنكار والتعجيب من شأنهم، وقوله تعالى: {وأصفاكم بالبنين} إما عطف على {اتخذ} داخل في حكم الإنكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه، والالتفات إلى خطابهم لتشديد الإنكار أي بل اتخذ سبحانه من خلقه أخس الصنفين واختار لكم أفضلهما على معنى هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه سبحانه جائزة فرضًا أما تفطنتم لما ارتكبتم من الشطط في القسمة وقبح ما ادعيتم من أنه سبحانه آثركم على نفسه بخير الجزئين وأعلاهما وترك له جل شأنه شرهما وأدناهما فما أنتم إلا في غاية الجهل والحماقة، وتنكير بنات وتعريف البنين لقرينة ما اعتبر فيهما من الحقارة والفخامة، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (17):

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بما ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)}
{وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بما ضَرَبَ للرحمن مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} قيل: حال وارتضاه العلامة الثاني على معنى أنهم نسبوا إليه تعالى ما ذكروا من حالهم أن أحدهم إذا بشر به اغتم، وقيل: استئناف مقرر لماق بله، وجوز عطفه على ما قبله وليس بذاك. والالتفات للإيذان باقتضاء ذكر قبائحهم أن يعرض عنهم وتحكي لغيرهم تعجيبًا، والجملة الاسمية في موضع الحال أي إذا أخبر أحدهم بجنس ما جعله مثلًا للرحمن جل شأنه وهو جنس الإناث لأن الولد لابد أن يجانس الولد ويماثله صار وجهه أسود في الغاية لسوء ما بشر به عنده والحال هو مملوء من الكرب والكآبة، وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا ** يظل في البيت الذي يلينا

غضبان أن لا نلد البنينا ** وليس لنا من أمرنا ما شينا

وإنما نأخذ ما أعطينا

وقرئ {مسود} بالرفع و{مسواد} بصيغة المبالغة من اسواد كإحمار مع الرفع أيضًا على أن في {إلى ظِلّ} ضمير المبشر ووجهه مسود أي مسواد جملة واقعه موقع الخبر، والمعنى صار المبشر مسود الوجه وقيل: الضمير المستتر في {ظِلّ} ضمير الشأن والجملة خبرها، وقيل: الفعل تام والجملة حالية والوجه ما تقدم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (18):

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}
{أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِي الحلية} تكرير للإنكار و{مِنْ} منصوبة المحل ضمر معطوف على {جَعَلُواْ} [الزخرف: 15] وهناك مفعول محذوف أيضًا أي أو جعلوا له تعالى من شأنه أن يتربى في الزينة وهن البنات كما قال ابن عباس: ومجاهد وقتادة. والسدي: ولدًا فالهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.
وجوز انتصاب {مِنْ} ضمر معطوف على {اتخذ} [الزخرف: 16] فالهمزة حينئذٍ لإنكار الوقوع واستبعاده، وإقحامها بين المعطوفين لتذكير ما في أم المنقطعة من الإنكار، والعطف للتغاير العنواني أي أو اتخذ سبحانه من هذه الصفة الذميمة ولدًا {وَهُوَ} مع ما ذكر من القصور {فِى الخصام} أي الجدال الذي لا يكاد يخلو عنه إنسان في العادة {غَيْرُ مُبِينٍ} غير قادر على تقرير دعواه وإقامته حجته لنقصان عقله وضعف رأيه، والجار متعلق بين، وإضافة {غَيْرِ} لا تمنع عمل ما بعدها فيه لأنه عنى النفي فلا حاجة لجعله متعلقًا قدر، وجوز كون من مبتدأ محذوف الخبر أي أو من حاله كيت وكيت ولده عز وجل، وجعل بعضهم خبره جعلوه ولدًا لله سبحانه وتعالى أو اتخذه جل وعلا ولدًا، وعن ابن زيد أن المراد بمن ينشأ في الحلية الأصنام قال: وكانوا يتخذون كثيرًا منها من الذهب والفضة ويجعلون الحلي على كثير منها، وتعقب بأنه يبعد هذا القول قوله تعالى: {وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإبانة كقوله:
على لا حب لا يهتدى بمناره

وعندي أن هذا القول بعيد في نفسه وأن الكلام أعني قوله سبحانه: {أَمِ اتخذ} إلى هنا وارد لمزيد الإنكار في أنهم قوم من عادتهم المناقضة ورمى القول من غير علم، وفي المجيء بأم المنقطعة وما في ضمنها من الإضراب دليل على أن معتمد الكلام إثبات جهلهم ومناقضتهم لا إثبات كفرهم لكنه يفهم منه كما سمعت وتسمع إن شاء الله تعالى، وقرأ الجحدري في رواية {يُنَشَّأُ} مبنيًا للمفعول مخففًا، وقرأ الحسن في رواية أيضًا {يناشأ} على وزن يفاعل مبنيًا للمفعول، والمناشاة عنى الإنشاء كالمغالاة عنى الإغلاء، وقرأ الجمهور {أَوَمَن يُنَشَّأُ} مبنيًا للفاعل، والآية ظاهرة في أن النشوء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام وأنه من صفات ربات الحجال فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربا بنفسه عنه ويعيش كما قال عمر رضي الله تعالى عنه اخشوشنوا في اللباس واخشوشبوا في الطعام وتمعددوا وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (19):

{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)}
{وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} أي سموا وقالوا: إنهم أناث، قال الزجاج: الجعل في مثله عنى القول والحكم على الشيء تقول: جعلت زيدًا أعلم الناس أي وصفته بذلك وحكمت به، واختار أبو حيان أن المعنى صيروهم في اعتقادهم إناثًا اعتراض وارد لإثبات مناقضتهم أيضًا وادعاء ما لا علم لهم به المؤيد لجعله معتمد الكلام على ما سبق آنفًا فإنهم أنثوهم في هذا المعتقد من غير استناد إلى علم فارشد إلى أن ما هم عليه من إثبات الولد مثل ما هم عليه من تأنيث الملائكة عليهم السلام في أنهما سخف وجهل كانا كفرين أولًا، نعم هما في نفس الأمر كفران، أما الأول: فظاهر، وأما الثاني: فللاستخفاف برسله سبحانه أعني الملائكة وجعلهم أنقص العباد رأيًا وأخسهم صنفًا وهم العباد المكرمون المبرأون من الذكورة والأنوثة فإنهما من عوارض الحيوان المتغذي المحتاج إلى بقاء نوعه لعدم جريان حكمة الله تعالى ببقاء شخصه وليس ذلك عطفًا على قوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [الزخرف: 15] لما علمت من أن الجملة في موضع الحال من فاعل {لَّيَقُولَنَّ} [الزخرف: 9] ولا يحسن بحسب الظاهر أن يقال: لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم وقد جعلوا الملائكة إناثًا، وقرئ عبيد جمع عبد وكذا {عِبَادِ} وقيل: عباد جمع عابد كصائم وصيام وقائم وقيام، وقرأ عمر بن الخطاب. والحسن. وأبو رجاء. وقتادة. وأبو جعفر. وشيبة. والأعرج. والابنان. ونافع {عِندَ الرحمن} ظرفًا وهو أدل على رفع المنزلة وقرب المكانة، والكلام على الاستعارة في المشهور لاستحالة العندية المكانية في حقه سبحانه، وقرأ أبي عبد الرحمن بالباء مفرد عباد، والمعنى على الجمع بإرادة الجنس.
وقرأ الأعمش {عِبَادِ} بالجمع والنصب حكاها ابن خالويه وقال: هي في مصحف ابن مسعود كذلك، وخرج أبو حيان النصب على إضمار فعل أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن، وقرأ زيد بن علي {إناثا} بضمتين ككتب جمع إناثًا فهو جمع الجمع، وعلى جميع القراءات الحصر إذا سلم إضافي فلا يتم الاستدلال به على أفضلية الملك على البشر.
{أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} أي أحضروا خلق الله تعالى إياهم فشاهدوهم إناثًا حتى يحكموا بأنوثتهم فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة، وهذا كقوله تعالى: {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} [الصافات: 150] وفيه تجهيل لهم وتهكم بهم، وإنما لم يتعرض لنفي الدلائل النقلية لأنها في مثل هذا المطلب مفرعة على القول بالنبوة وهم الكفرة الذين لا يقولون بها ولنفي الدلائل العقلية لظهور انتفائها والنفي المذكور أظهر في التهكم فافهم، وقرأ نافع {أأشهدوا} بهمزة داخلة على أشهد الرباعي المبني للمفعول، وفي رواية أنه سهل هذه الهمزة فجعلها بين الهمزة والواو وهي رواية عن أبي عمرو، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه.
وابن عباس. ومجاهد، وفي أخرى أنه سهلها وأدخل بينها وبين الأولى ألفًا كراهة اجتماع همزتين ونسبت إلى جماعة، والاكتفاء بالتسهيل أوجه، وقرأ الزهري وناس: {فَقُولُواْ اشهدوا} بغير استفهام مبنيًا للمفعول رباعيًا فقيل المعنى على الاستفهام نحو قوله:
قالوا تحبها قلت بهرا

وهو الظاهر، وقيل: على الإخبار، والجملة صفة {إناثا} وهم وإن لم يشهدوا خلقهم لكن نزلوا لجراءتهم على ذلك منزلة من أشهد أو المراد أنهم أطلقوا عليهم الإناث المعروفات لهم اللاتي اشهدوا خلقهن لا صنفًا آخر من الإناث؛ ولا يخفى ما في كلا التأويلين من التكلف {سَتُكْتَبُ} في ديوان أعمالهم {شهادتهم} التي شهدوا بها على الملائكة عليهم السلام، وقيل: سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدريكم أنهم إناث فقالوا: سمعنا ذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال الله تعالى: {سَتُكْتَبُ شهادتهم} {وَيُسْئَلُونَ} عنها يوم القيامة، والكلام وعيد لهم بالعقاب والمجازاة على ذلك والسين للتأكيد، وقيل: يجوز أن تحمل على ظاهرها من الاستقبال ويكون ذلك إشارة إلى تأخير كتابة السيآت لرجاء التوبة والرجوع كما ورد في الحديث إن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيآت فإذا أراد أن يكتبها قال له: توقف فيتوقف سبع ساعات فإن استغفر وتاب لم يكتب فلما كان ذلك من شأن الكتابة قرنت بالسين، وكونهم كفارًا مصرين على الكفر لا يأباه. وقرأ الزهري {سيكتب} بالياء التحتية مبنيًا للمفعول، وقرأ الحسن كالجمهور إلا أنه قرأ {شهاداتهم} بالجمع وهي قولهم: إن لله سبحانه جزأ وإن له بنات وإنها الملائكة، وقيل: المراد ما أريد بالمفرد والجمع باعتبار التكرار، وقرأ ابن عباس. وزيد بن علي. وأبو جعفر. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. والجحدري. والأعرج {أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ} بالنون مبنيًا للفاعل {شهادتهم} بالنصب والإفراد.
وقرأت فرقة {سيكتب} بالياء التحتية مبنيًا للفاعل وبإفراد {سَتُكْتَبُ شهادتهم} ونصبها أي سيكتب الله تعالى شهادتهم.
وقرئ {يساءلون} من المفاعلة للمبالغة.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)}
{وَيُسْئَلُونَ وَقَالُواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم} عطف على قوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ الملئكة} [الزخرف: 19] إلخ إشارة إلى أنه من جنس ادعائهم أنوثة الملائكة في أنهم قالوه من غير علم، ومرادهم بهذا القول على ما قاله بعض الأجلة الاستدلال بنفي مشيئة الله تعالى ترك عبادة الملائكة عليهم السلام على امتناع النهي عنها أو على حسنها فكأنهم قالوا: إن الله تعالى لم يشأ ترك عبادة الملائكة عليهم السلام على امتناع النهي عنها أو على حسنها فكأنهم قالوا: إن الله تعالى لم يشأ ترك عبادتنا الملائكة ولو شاء سبحانه ذلك لتحقق بل شاء جل شأنه العبادة لأنها المتحققة فتكون مأمورًا بها أو حسنة ويمتنع كونها منهيًا عنها أو قبيحة، وهو استدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسنًا كان أو قبيحًا فلذلك جهلوا بقوله سبحانه: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ} القول على الوجه الذي قصدوه منه، وحاصله يرجع إلى الإشارة إلى زعمهم أن المشيئة تقتضي طباق الأمر لها أو حسن ما تعلقت به {مِنْ عِلْمٍ} يستند إلى سند ما.
{إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يكذبون كما فسره به غير واحد، ويطلق الخرص على الحزر وهو شائع بل قيل: إنه الأصل وعلى كل هو قول عن ظن وتخمين، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (21):

{أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)}
{أَمْ ءاتيناهم كتابا مّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} إضراب عن نفي أن يكون لهم بذلك علم من طريق العقل إلى إبطال أن يكون لهم سند من جهة النقل؛ فأم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله تعالى: {اشهدوا} [الزخرف: 19] كما قيل لبعده.
وضمير {قَبْلِهِ} للقرآن لعلمه من السياق أو الرسول عليه الصلاة والسلام، وسين مستمسكون للتأكيد لا للطلب أي بل أآتيناهم كتابًا من قبل القرآن أو من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ينطق بصحة ما يدعونه فهم بذلك الكتاب متمسكون وعليه معولون، وقوله جل وعلا: